أ سنعود غدا يا أمي ؟؟
هذا كان أول ما همست به لأمي الحبيبة بعد
خروجنا من المستشفى ، و التي بدت عليها
علامات الحزن و القلق ، لكنها دفنتها تحت
ابتسامة عريضة ووجه مشرق .
فأجابت: نعم يا ابنتي ، غدا العملية.
سرت في جسمي قشعريرة غريبة ..عملية ؟
كنتُ صغيرة و لم يتجاوز عمري العشر سنوات ،
لكني كنت أسمع كثيرا عن العمليات ،
و أعلم أنها خطيرة و مؤلمة ، لكني تظاهرت
بالقوة أمام أمي الحبيبة ، و صمتت في ألم و خوف.
و عادت بي الذكرى إلى أيام مضت ، كنت
أتوجع فيها بشدة ، و أحس كأني أمعائي تتقطع
حتى أبكي من شدة الألم ، و زياراتي المتكررة
للطبيبة ، لإعطائي دواء ينفع للحد من ألمي
دون أن أضطر لإجراء العملية ، لكن قدر
الله و ما شاء فعل.
و في البيت كان والداي حفظهما الله يحاولان
تهدئتي ، و يقولان أنها عملية سهلة ، لكن
ماكان يزيدني ذلك سوى هلعاً.
و حان اليوم الموعود بسرعة كأنه بضع لحظات فقط.
فاستيقظت باكرا على غير عادتي ، و لم أفطر
لأنه كان يجب أن أكون صائمة و في الطريق
إلى المستشفى تراءت لي صور عديدة ، كنتُ
أطردها من مخيلتي بسرعة. خشيَةَ أن تسيطر
عليّ و تزيدني رُعباً.
و وصلت الى المستشفى ،فجاءت ممرضتان
و بدأتا تكلمانني و تضحكان معي لتهدئتي ،
لكن الخوف كان باديا على وجهي ، و لم أستطع
أن ابتسم حتى ، أو أنطق بكلمة ، ثم نزلت
إلى غرفة العمليات ، و نمت فوق ذلك السرير
المخيف الذي كان كـ اللحد الذي سألقى فيه حيةً.
و خيّل إليّ حينها أن الزمن توقف عند تلك
اللحظة كي أعيش خوفي و مأساتي طويلا ،
و رغم كل من كان حولي ، كنتُ أحسُّ نفسي وحيدة .
بدأت أتنفس بصعوبة و اطرافي ترتعش ،
و أحس باختناق...اختناق..اختناق شديد ،
كأن روحي ستسلبُ منّي ، و أردت أن
أصرخ فلم استطع ....
و أتى الطبيب، و بدا لي كـ شبح جاء ليخطفني
من الحياة، أو كوحشٍ ضارٍ سيمزِقُ أحشائي ،
رغم أني كنت أحب الأطبّاء على غير عادة
كل الأطفال الصّغار ، لكن هذه المرة تملّكني
الُّرعبُ بشدّة ، و كدتُ أبكي لولا أن مفعول المنوم
كان قد سرى بجسمي فلم اعد سمع سوى صوت الطبيب
الذي كان يبدو بعيدا و لم أفقه ما يقوله.
و حين استيقظتُ ، كنت في غرفتي و أمي و أبي
قربِي ، فرحين بسلامتي ، و أنا مازلت في صدمة أتساءل
مع نفسي أانتهى الأمر أم ليس بعد ؟
و أجابتني آلام بطني الحارقة من جراء العملية ،
فعلمت أن الأمر قُضِيَ و الحمدُ لله
و في نفس ذلك اليوم عدتُ الى بيتي ،
و شفيت بعد أسبوعين أو أقل من الآلام
المتواصلة و الأوجاع المحرقة.
لكن ذلك اليوم لم يمحَ من ذاكرتي رغم مرور
سنين عليه و مازلت أتذكره كل حين كحدث
أثر في حياتي ، كصفحة من كتاب عمري ،
بل كجزء منّي ، و ربما هو ما جعل أملي في
أن أصبح طبيبة يكبر شيئا فشيئا...
لأنني كلما تذكرت حالي قبل العملية و بعدها ،
حمدت الله و تمنيت أن أكون يوما ما سببا لتخفيف
آلام مريض أو إنقاذ حياته .....
فالحمد لله الذي شفاني و رعاني و أعادني
سالمة إلى والديّ
اللهم اجعلنِي طبيبةً مسلمةً تنفعُ الإسلام و المسلمِين.